بلا عنوان (1)

 

لفت انتباهي فيديو شاهدته، لعله كلّف مموليه أموالاً طائلة، ليتها صُرفت على نشر الحقائق،

واضح من جمع أشرطته و فن تلوينها و إخراجها و تقديمها أنها إنتاج محترفي الدعاية و الإعلان ...

و لعل قسطاً من الوقائع و الحقائق فيه، لكن هذه تفقد حقيقتها إذا استعملت لغرض غيرها ...

 

يظهر فيه تقليد تقبيل الحجارة و التبرك بلمسها بحجة أنها كانت يوماً موطئ أقدام نبي أو رسول ...

أقول: ألأرض كلها و لا شبر يُستثنى كانت موطئ أقدام رسول أو نبي، فهل يقبلها هؤلاء و هل يتبركون بلمسها؟

عساها اليوم موطئ أقدام سفلة طغاةٍ!!

 

لم تتجن هذه الدائرة على أحد عندما جمَلت الأديان الإبراهيمية من اليهودية إلى البهائية، مروراً بالمسيحية و الإسلام و الدرزية و العلوية، مما ذكرت أو لم تذكر: في درجات متباينة و متقاربة من الإشراك و الوثنية، بينما كل واحد منها يدعي التوحيد حصراً و خصوصاً،

 

و إذا كان هناك أمكنة ثبت أنها كانت مأوى رسول أو نبي فخير ما يُعمل أن تكون مزاراً للمؤمنين، في هدوء و عزلة، و من غير طقوس و لمس،

ففي الأشياء الطبيعية ذاكرة، تصل لمحات منها بصائر ذوي السمع و البصر، فيسترجعون طرب و سلام و أمان عقله إذ حلّق، و تصبح منالًا لهم إذا عرفوه و أحبوه

 

بلا عنوان (2)

و حدود ربكم حاملو عرشه، لهم صلات الصلاة، ليس في الكون الطبيعي أمر إلا بهم قائم، و الخلق من نفس واحدة،

ألذي يعرفهم يجدهم في رأسه و قلبه و حناياه، و في كل ما ظهر و ما ارتقى ...

أقول: لا هم يريدون أن يمجّد الناسُ صورهم و طبع أقدامهم على الصخرة و الكون كله صور لهم ...

كفوا عن حب الحجارة منحوتةً أو مطبوعةً أو ملساءَ، و ارفعوا وجوهكم إلى خالق الأكوان،

 

و جاء في الكتاب الكريم خذوا قميصي، يعني صورتي، ألقوه على وجه أبي، يعني أبي و أبيكم الذي في السماء: تتلاشَ الصورة و يأتِ بصيراً، و تبلغوا توحيدكم ...

و كان يوسف يغطي وجهه بقناع إذا جلس على الشيروبين ليعلّم،

 

لكنه قول ثقيل

 

بلا عنوان (3)

 

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) (ألحج)

و قلنا تكراراً أن نسخ لا تعني ألغى إلا في القواميس التي كتبها علماؤكم،

فإذا تساءلتم لماذا يجعل الله ما يلقي الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرض،

أقول ذلك لأن الظالمين لفي شقاق بعيد،

كل نفس بما كسبت رهينة، و أنتم تختارون أن تحبوا الظلام و ظلم الإلاه السادي المتعسف، أو تسرعون إلى معرفة خالق الأكوان،

و الزمان لا يبخل على أحد، و لو أُرغم الظالمون على دخول حدائق العلم و البيان و ربهم ينظرهم لنفروا و أسرعوا إلى حديقة الطعام و الشراب و النكاح، فحذاريكم ما تطلبون،

 

و جاء في الكتب التي تسمونها هندية توضيح و قراءة صحيحة، تجادلتم عليها و رفضها بعضكم،

لأنها لا تمجّد قبائلكم و أعراقكم و تنزه ربكم عن الإسم و لا تعترف بالمنصور تجليًا لله، لا يتجلى ربكم إلا لبصائر المؤمنين الموحدين بغير واسطة، و شهد سبب الأسباب و معراج الموحدين لو أنكم تعقلون،

 

فلا تتعبوا أنفسكم بسَر الأسرار، و قلنا على هذه الدائرة أن السرية مخبأُ الخرافات، يفتح ربكم أبواب السماء لمن يشاء و لا يطلب منكم إذناً و لا يعطيكم علماً مسبقاً، والعلمُ لمن استطاع إليه سبيلاً

 

بلا عنوان (4)

 

يا ليتكم اخترتم في المئة سنة الماضية على الأقل أن تطلبوا العلم و تعملوا على نشره،

لو فعلتم لاكتشفتم أن هذا ما كتبه الله أيضاً،

ألله كتب كل الممكنات والناس منها يختارون،

و لا اختيار يخطر في الفكر إلا مكتوباً في كتاب الخلق و الأمر، يعني ما يتحقق و يظهر من الإمكان،

لكنكم بقيتم على ما وجدتم فلاسفة الأديان الإبراهيمية عليه، من قدرية و جبرية ... و مفترضات ذاتية التناقض، لا قدرة فيها على الصمود أمام تحرّىٍ فكري بديهي ...

 

لا يتحقق في هذا العالم شيء إلا بأسبابه،

الناعورة تعمل بأسبابها الطبيعية باستمرار ولا علم و لا عقل لها ...

و المهندس يصمم، و يبني البناؤون الذي لا يفهمون الفيزياء و الرياضيات ما صممه ...

و يقف البنيان قروناً، من غير دعمه بيديه و رجليه، و من غير سحر الساحر،

 

و الأمم ترتقي بعلومها و أخلاقها و بتعاون شعبها، مهما كانت معتقداتهم الماورائية و طقوسهم ...

هذا ما كان سهلاً عليكم أن تفهموه ...

لكن قدر العذاب الذي حسبتموه لغيركم هو اليوم عينه قدركم أنتم،

تلجؤون لدين ابن الإنسان و سحرة الهند و رجال السياسة ...، و قد أوتيتم كتبًا و حكمة عظيمة

 

بلا عنوان (5)

 

يا ويل الحاكم الذي يجعل من أميّة شعبه و فسادهم دعامة لسلطانه،

يُحمس عصبياتهم فيتعصبون لحماسهم،

لكنهم سينقلبون عليه و على خلفائه عاجلاً أو آجلاً،

و يُخرجونهم من قصورهم كم تُخرج الجرذان من أوكارها،

و الأمثلة في التاريخ القديم و المعاصر كثيرة،

 

و قد شرحت رسالة النفس هذا الأمر بقدر من التفصيل،

و حذرت الحاكم الذي يجعل التلذذ بالسلطان و تزلف رعاياه له غايته،

و قال الكتاب الكريم "و من شر النفاثات في العقد"، يعني مُحمّسي العواطف الهوجاء و الغوغائية،

 

و لا تقتصر هذي الرذائل على الحكام و رجال الدين في هذا العصر،

فأجهزة الإعلام و التواصل الإجتماعي: منابر الخطابة الجديدة،

 

يا ويل الخطباء الذين يشدون بتابعيم للبقاء على أميتهم و جاهليتهم،

لتبقى قبائلهم و طوائفهم مرتعاً لهم و لذرياتهم،

و يقدسهم تابعوهم و يتبركون بذلهم لهم،

 

كفوا عن القول أن سيأتي يوم تنزل المعجزات من السماء لتدعم ديناً أو طائفة،

لا قدر للشعوب الوثنية غيرَ السقوط في مهاوي جهنم،

و تحكمهم أمم متكبرة ذكية، عساهم يتعلمون درساً

 

بلا عنوان (6)

 

و يا ليتكم قرأتم واحدية الأديان في كتبها و في الحكمة ...

هذه لا تُظهرها معجزات و ألبسة و ألقاب و لحىً مسترسلة،

لا و لا أصول عريقة ...

بل تُظهرها و تبرهنها عقول مستنيرة ...

 

ألآن تقولون أن الأديان واحدة،

لكنكم تنتظرون قائلاً على شروطكم!

لأنكم في الواقع لا تعتقدون بوحدة الأديان، إلا حسب فهمكم ...

فالشرائع فُرضت على الناس حسب فهمكم ...

إلى أن وُلد المنصور و اعترفتم به تجلياً لله و صرتم موحدين و كتبتم مواثيقكم على أوراق ...

 

و لا أتوقع أن يتنبه لتعادل مقولات أهل الأديان و مقولاتكم رجالُ أزيائكم،

فلوجود هؤلاء غاية أن يبقى التعادل مستورا ... لكي يستمر وجودهم!

 

ألإختلاف و الفرق وقود جهنمهم التي نزلتم إليها رغبة بها و طوعاً ...

لست أدري ... ماذا درس أذكياؤكم، الذين حصلواعلى شهادات أكاديمية، و صاروا محاضرين في الفلسفة و الدين ...

إذا درسوا من منطلق اقتناعاتهم المسبقة وقفوا على المسطبة عينها، التي عليها يقف رجال الأزياء،

و فعلاً أهل الشرائع أيضاً،

و يُختزل العقل في المعتقدات و التقاليد،

لئلا يزعل الإلاه و يحرمهم الخلاص حسب فهمه،

 

و يغدو العلم بالفكر و الفلسفة: معلومات مهنية،

مثل النجارة و الحدادة، منفصلاً عن الوجدان ...

فإذا لم يُطلق طلبُ العلم الفكرَ و العقل حراً من المعتقدات فماذا ينفع؟

 

 

بلا عنوان (7)

 

يفرح أهل الأديان و المعتقدات إذ يشهد كلُّ فريق كشف خرافات فريق غيرهم،

و ليس لدى أيُّ واحد منهم علم يأتون به أو خلق كريم،

 

و ما قلناه على هذه الدائرة موجود الآن بالفعل، وكان موجوداً بالقوة، يعني بالإمكان،

لا قدرة لأحد منهم على إعدامه مهما توهموا من قوة و سلطان، و مهما أكثروا من الشعائر و أطلقوا من الدعوى،

أعمالهم و أقوالهم لا تسكن إلا في الفراغ و لا تُجدي إلا مزيداً منه،

صح ما جاء في الدارما: شيئان لا ينفذان، ألفراغ و غباء الإنسان،

 

و هو الآن موجود حجةً عليهم، مهما طالت السنون و القرون،

و هو يفتح أبوابًا للفكر لتتقدم القوانين و الشرائع، إذا اختار أهل الأديان الإبراهيمية السكون في أمجاد ماضيهم فقد درسها الزمان جاهزاً،

و هو يضيء لأبناء السبيل سبلَهم، أينما هم، و لو كره الفاشلون

 

بلا عنوان (8)

 

كفوا عن ترديد التعابير الدينية، التي لا تشير اليوم من أفواهكم إلا إلى الفراغ ...

 

إذا كانت تعابير توحيدية أطلقها الرسل: كان سهلاً عليكم أن تقرؤوها في الكتب جميعها ...

لأن الروح التي منها جاءت و إليها تؤول واحدة،

كيفما كانت لغاتها ...

لكنكم تقرؤونها في إطار معتقداتكم، حيث تُحجب روحها،

لأن هكذا تعمل المعتقدات ...

 

و القليلون القلائل الذين يخرجون من سجونكم تغضبون عليهم و تتهمونهم بالإرتداد،

هم مرتدون على معتقداتكم ... أحراراً في عقولهم،

 

و إذا كانت تعابير أطلقها المفسرون و الشارحون الذين تتبعونهم: فهذه مثلها مثل الشعارات السياسية،

غايتها الفرق و العصبية،

عساها نفعت في وقتها،

لكن الزمان درسها لأن لا روح لها،

و هي اليوم عبء تحملون

 

بلا عنوان (9)

 

ليست الرموز الهندسية رموزاً دينية و لا هي ملك خاص لدين أو طائفة،

كفوا عن ادعاء معرفة تاريخها و ملكيتها،

 

و هي صور حقائق وجودية، و كل ظاهرٍ طبيعي كبير و صغير طرحٌ كوني لحقيقة وجودية، و ما الكون الطبيعي إلا بصمات أصابع مالك الأزمان و الأكوان،

 

ألنجمة المخمسة تلخص انتشار الفضاء الثلاثي الأبعاد في إظهار نسبة (ratio) المسافات في تباعدها عن عين الناظر،

لذلك لفتت انتباه فيثاغوراس، ثم جعلها داوود الحديد رمزاً على أماكن لقاآت تلاميذه، حيث كانوا يجتمعون و ينشدون،

عسى سرقها عبدة حيرام و قلبوها رأساً على عقب تمثيلاً للناموس الطبيعي، من حيث لا يشعرون،

و ألوانها أيضاً اكتشفها فيثاغوراس لما رأى انكسار ضوء الشمس في المنشور الزجاجي (prism)،

و اللون الأخضر هو اتحاد الأصفر و الأزرق، و هذا شيء طبيعي يعرفه كل طفل نبيه تعلم خلط الألوان و كل من درس فيزياء الصفوف الثانوية،

 

و من منظور وجودي: ألأزرق والأصفر ينطلقان من الأخضر،

و الذي شهد الشمس الزبردجية لا شك عنده،

لكن يبدو أن ترتيب الألوان على النجمة المخمسة قد خضع للتبديل أيضاً،

و قلنا على هذه الدائرة أن اللون الأزرق لون النفس،

فهو لون الماء و السماء، و كل ناظر في سماء نفسه،

 

و النجمة و الهلال هما النقطة و الخط، و هذا يتكامل ليصير دائرة،

و هذه ألفباء الهندسة الكونية، عرّفها طاليس تلميذ فيثاغوراس، واضعُ مُسلمات (postulates) الهندسة المسطحة،

 

تمرون بصواعق آيات رب الأكوان والأزمان و لا ترون ولاتسمعون، كبرياؤكم مانعتكم، تفضلون رسائل الشارحين المفسرين الذين يخصصونكم ...

لم تتخصصوا إلا بمعرفتهم و معتقداتهم

 

بلا عنوان (10)

 

و في الهند تُرسم صورة كرشنا بأجنحة مثنى فثلاث فرباع، حاملاً بها القرص و الصولجان و زهرة اللوتس و الصدفة الحلزونية،

و باستثاء زهرة اللوتس ما هذه إلا الرموز التي ذكرت في الرسلة السابقة:

ألقرص الدائرة، و الصولجان النقطة و الخط، و الصدفة الحلزونية صورة للنجمة المخمسة، فهى عرض للنسبة الذهبية عينها، كما سُمّيت في عصر النهضة في أوروبا: بصورة أخرى،

أما زهرة اللوتس، فهذه تمثل بلوغ التنور، الذي يُسمى توحيداً في الكتب و الحكمة ...

فهذه الزهرة تبدأ حياتَها في العتمة تحت سطح الماء، تنمو إلى أن تبلغ منشودها: على العرش الذي على الماء، حيث الضياء و الأفق الكريم،

 

ليست هذه الرموز اختيارَ الإلاه الأعتباطيَّ، الذي يصنعها ليفرق بين الناس و يفضل بعضاً على بعض و يحمس العداوة بينهم،

فإذا لم يستطع أهل الأديان الإبراهيمية التي ذكرنا أن يتعرفوا على مالك الأكوان و الأزمان فلن يتعرفوا إلا على أوليائهم الذين اتخذوهم من دون الله، و قد أُنذروا تكراراً،

 

كفوا عن تخصيص أنفسكم بالرموز و الألبسة و الألقاب كافة،

كفوا عن المدح الذاتي بمقارنة أنفسكم بأسفل السافلين،

لا يرتقي قوم بسفالة قوم آخرين،

كفوا الكلام الذي لو لم يدعمه لباس و لقب و لفة أو عمامة ... لما وجدتم حطباً مستمعاً له، فهذا إذا أُحرق فأضاء تغنّى بناره فضلاً من ربه، لا يناله ثرثار عنيد

 

بلا عنوان (11)

 

ما هو التوحيد؟ سؤال قد حيّر عقول المتفكرين من الناس من أقاصي الشرق إلى الغرب و منذ أوائل الأزمنة،

في الشرق الأقصى وصف الواصفون طرق اليوغا و التهجّد (التأمل التجاوزي)، و تبقى تعاليمهم مغلفة بالغموض، تستدعي أكثر أسئلة مما تجيب،

و في حوار أرجونا و كرشنا الذي جاء في الغيتا خيرُ تعبير عن حيرة الذهن و الفكر: أللذين عليهما التقاعد خلفَ تقرب العقل من عقله،

فهما مفخرة الإنسان و قوته ... و مجلبة لغروره ...، لذلك فلن يتخذا العقل سيداً عليهما طوعاً بسرعة ...

 

"لقد حيّرت تعاليمك عقلي، أيهما أفضل هذا أو ذاك" ...

عبارات ترددت بضع مرات في ذلك الحوار ...

ثم يجيب كرشنا بهدوء ...: ألإثنان جيدان ...

 

أما كتب الأديان الإبراهيمية، فهذه سلكت سبيلاً آخراً،

جعلتْ هذه اللغةَ وسيلتها لإطلاق العقل حرّاً من مضايق الذهن و الفكر ...

و اللغات الساميّة العبرية و الآرامية و العربية ... جذورها الثلاثية قيم عقلية ...

و في محاولة لفت الإنتباه إلى تلك القيم: أستعملت اللغة مجازيًّا ...

و لا أقول ذلك لأنظّر أن للغات الأخرى جذور غير عقلية، و هذا محال،

لماذا جذور اللغات الساميّة أقرب إلى بداهة العقل من اللغات الأخرى؟: سؤال يستدعي دراسة علمية في المستقبل، و قد أكون مخطئاً في تقديري ...

و جود اللغة في ذهن الإنسان و فكره: ظرفي و خاضع لتجاربه الحياتية ...

هل نجحت في الإشارة إلى المجردات العقلية التي تعلو و تسبق أقساطها اللغوية و الطبيعية؟

هذا النجاح متوقف على خبرة الطالب الفردية، و لا يُقاس كما تُقاس التجربة الطبيعية ...:

أمرٌ غفلت عنه الأديان الإبراهيمية التي ذكرت، و باتت أسيرة لغاتها و تعابيرها ...

في هذا الإطار ينتمي إليها المنتمون كما ينتمون للأحزاب السياسية:

لأنها لم تجر على المجاز اللغوي لتدرك رحاب العقل،

بل سكنت عليه و لا تريد سواه

 

 

بلا عنوان (12)

 

لقد كان كل تنزيل جديد دعوى إلى سبيل التوحيد، بلغة ذلك التنزيل ...

و ألذين يتمردون على تقاليد الوثنية و شعائرها: ذوو جرأة و يقين بالحق، تحدسهم عقولهم أن ما يقرؤون أو يسمعون من رسولهم: حق، فيتعرضون لأذى الوثنيين و لا يهابونهم ...

و كل الدعوات حملها و آمن بها نفوس عظيمة، أوحت قصصهم خلقًا كريماً لأجيال تلت ...

و القول أن المؤمنين والموحدين يولدون مؤمنين وموحدين: جاء في كل كتاب ...

و ليس تتابع الأقدار إلا عدالة الزمان في أزليته،

فكيف فهم هذا رجالُ الأزياء و الألقاب و كيف علموه للناس: شيء آخر ...

 

أقول أن القدرية التي يعتقدها أهل الأديان الإبراهيمية، من اليهودية إلى البهائية، مروراً بالمسيحية و الإسلام و العلوية و الدرزية و الأقليات الأخرى التي لم أذكر: ظالمة و مبنية على قرارات إلاهها الإعتباطية،

و ما اعتقاد كل واحد منها: أن التوحيد و النصر مكتوب لها حصراً: إلا دليل لها على بطلان معتقدها، و حجة عليها في هذا الفتح للأبواب و الكتب،

 

و نسيانها فضيلة العدالة التى فطرها ربها عليها دليلها أن فهمها للقدر خاطئ،

حتى جلبت الأديان على أنفسها ويلاً بعد ويل، و تعادلت بأخلاق الجاهلية، و تسلطت بعضُها على بعض و ما انتصرت،

و لو وضع كل فريق نظريتهم القدرية تحت مجهر الفكر و العقل لوجدوها خطأً على خطأٍ،

و وجدوا أن اعتقادهم بصحتها لا يختلف عقلياً عن اعتقاد الأديان غيرهم،

 

ليس للبشر علم و لا عمل بأقدار البشر، و أين يولد الناس و لماذا يولدون لا يجب أن يكون موضوع معتقدات ماورائية دينية، و كل معتقد قائم على نظريات قدرية باطل من أساسه، و يبنى على الباطل باطلاً،

 

و جاء في الكتاب الكريم أنه سيأتي يوم يُنفخ في أعالي رؤوسكم و تُصعقون إذ تُفتح ذاكرتكم و تتساءلون كم لبثنا فيها، يوماً أو يومين؟

بل لبثتم أياماً معدودة،

و عسى كنتم أعداءً لأهليكم و أصحاباً لأعدائكم،

قلنا على هذه الدائرة عدة مرات عساكم تتفكرون

 

بلا عنوان (13)

 

أما الحكمة اليونانية فهذه سلكت مسلكاً إلى التوحيد: كان الأولى بالأديان الإبراهيمية أن تحاذيَه، و كتبها لا تُخاطب إلا العقول ...

تهزأ الأديان الإبراهيمية من جمهورية أفلاطون و ميتا فيزياء أرسطو ... لكنها غافلة عن أن الفكر التحليلي المنطقي بدأ في اليونان ...

 

الكتب و الحكمة لا تبلّغ بلاغها تسلسلياً على مسارب الفكر المنطقية ...

لكنها تدخل العقول و النفوس من أبوابها،

 

ليس واحد من هذين خيراً من الآخر ...

لكن سبل التوحيد عديدة، و تتغير عبر العصور، و بحسب ممكناتها اللغوية،

و عسى أن منهج لغات أوروبا الرياضي (mathematical) كان الممهد لطرق الفكر المتشعبة ...

 

مسارب الفكر المنطقي: واحدة في عقول كل البشر ...

و إذا سار عليها سائر: إستدل عليها كل مستمع له ...

و التمرن على سلكها يفتح مسالكها في العقل، بعد أن كانت مجهولة ... و كم مرة شعر طالب بنصر فكري و نشوة عقلية ... لما أضاء فكره فهمٌ جديد ...

 

هكذا تعمل الرياضيات و يتوافق على عملها الناس من غير أن يعتقدوا شيئاً على عقولهم ...

و مسلّماتها لا تُنكر ...

كالأعداد و علاقاتها ببعضها، و الأشكال الهندسية، و المجردات التي تُعرّف ...

كلها دليل المتأمل في نفسه إلى واحدية الكون و الوجود ...

بل هي الدليل إلى واحدية الإنسان و الكون،

بل هي المشير أن لا وجود إلا مُدرَك عقلياً و مُدرِك عقلياً،

و هذا ما أسميناه وعياً (consciousness) على الدائرة

 

بلا عنوان (14)

 

لم تطلب الأمم الغربية من آلهة الأديان الإبراهيمية إذناً، لما دأبت على دراسة المظاهر الطبيعية و المجردات العقلية، بوحي كتب أرسطو و حوارات سقراط،

فطورت أنظمتها وقوانينها و برعت في الصناعة و فنون الحرب،

و فلاسفتها التوحيديون دكارت و سبينوزا و كانط و لايبنتز ... لم يعترفوا بالآلهة الإبراهيمية و لا يقيمون شعائرها و لا أظن واحداً منهم إعترف بالمنصور حاكماً بأمر الله و لم يكتبوا مواثيق ولائهم له و لم يعاهدوه على أمر و لا هم يبالون به ...

 

و يرى علماء و أئمة المسلمين و عقلاء الدروز أنهم أرقى خلقاً و أكثر علماً ...

و لفت انتباهي فيديو يعرض كراماتهم ...!

 

لست أدري إذا كان هؤلاء قادرين على فهم كرامات الرياضيات والفيزياء ...

فهذه تتوقع الأحداث الطبيعية بالنظرية العقلية الفكرية ...

فكم مرة توقعت الرياضيات وجود أشياء سمائية (celestial objects) ثم أثبتت وجودها المراصد ...

و كم مرة صُنعت المركبات و أُطلقت في الفضاء على قَدَر مرسوم و جرت بطاعة و انتظام ...

كل هذا مكتوب يا أيها السادة ذوو الألقاب و الأزياء، في كتاب الخلق و الأمر الذي لا تريدون منه إلا العنوان ...

لتخوفوا تابعيكم بعلم تدعون و حكمة تقولون أنكم تمثلون ...

 

كفوا عن تضليل الجماهير الساذجة، كفوا، و قد أنذرتكم كتبكم لو أنكم تفهمون ما تقرؤون،

كفوا عن و عدهم بالجنة و الخلاص ... و لا فرق بين هذه الوعود ...

 

و كلما احتدمت الحرب بينكم في بلادكم تنادون الدول الكبرى ... فأين آلهتكم إن كنتم صادقين؟

لا تنادون إلا حرس جهنم خدم حيرام بأسمائه العديدة

 

بلا عنوان (15)

 

كلما جاءكم رسل بكتب و حكمة ليُخرجوكم من الظلمة إلى النور ...

و يدعوكم لهجر الوثنية، شعائراً و شرائعاً،

و عُقداً نفسية و سكوناً عقلياً ...

بقيتم على عبادة آلهتكم،

و نسبتم لها ما أتاكم،

و حسبتموها أمراً لقبائلكم و أممكم،

و نصرًا على أعدائكم،

و اليومَ هو اليوم الذي وُعدتم،

و قد فُتحت الكتب بالحق،

و بان بطلان معتقداتكم،

تنادون أولياءكم في الفراغ،

و تزيدون الشعائر و لا ينتهي بلاؤكم،

كالذي يلوّح بيده ليهدئ الريح فتزداد قوة،

و لم يفت الزمان بعدُ،

و يغفر ربكم لمن أقروا بأخطائهم،

فتتفتح عقولهم و تنزل الرحمة على أفئدتهم،

و قال الكتاب الكريم إتقوا في الأرض فتنة لا تصيب إلا الذين ظلموا منكم،

و ما تشهدون من سفك للدماء و دمار: ليس إلا إنذاراً لكم،

لأنكم إذا بقيتم على تقاليد الوثية و سنن الجاهلية فلن يزداد البلاء إلا بلاءً،

و لا من يفرح بنصر و لا من يحزن بهزيمة،

و ينزل العلماء و الأئمة و العُقّال و الكرادلة و الحاخامون عن عروشهم لتتصالح أممهم،

ويرث الأرض أناس صالحون مصلحون لا يتكبّرون،

لا يعبدون بشراً ولا حجارة،

و ليس لدي بلورة سحرية و لا كتب سرية و لا يهبط ملك من السماء علي،

لكن هذا هو الحق، إقرؤوا كتبكم و حكمتكم، و انظروا في التاريخ إن كنتم صادقين

 

بلا عنوان (16)

 

يا رجال الأزياء، إن المعز الذي أوثقتم به أقداركم لا يؤتمن،

كم من أناس قبلكم عاهدوه و لما عاد كما وعدهم خانهم و خذلهم،

و منهم من أحرقهم أحياء أو نبش قبورهم و أحرق عظامهم،

و هو الخبير بخدع الأنفس و بهر الأنظار،

لا تتفاخروا بلبس لباسه و إرسال اللحى و التتوج بتيجانه،

و لا تظنن أن السلوك الحسن خلاصاً و قداسة،

كم راض السحرةُ من وحوش و أظهروها مظهر الدواجن،

و كم تعلمت القردة فنوناً و لم تحظَ بعلم،

 

و أما العلمُ فليس إلا لتعلِّموه،

و جاء في الكتاب الشجرة التي لا تثمر فلتقطع،

حرمتم العلم على الناس و على أنفسكم، و اكتفيتم بشروح أئمتكم، و سبتّم سبتاً طويلاً أرغمتم قبائلم على السبت معكم،

و دارت الأيام و كذّب الزمان مقولاتكم كما كذب مقولات أهل الكتاب قبلكم،

 

تقولون أنظر لقد تعب قلمك و لم يتغير شيء،

أقول اهربوا من قدر كتبه إلاه و سجله على شريط الفيديو ثم جلس ليستريح و يشاهد عذاباً قد سجله،

ظننتم بربكم سوء الظن و نعتموه نعوت سادي مجرم،

و خصصتم أنفسكم بالخلاص لتشمتوا بالكافرين الذين لا يولدون من قبائلكم،

 

سقطت مقولاتكم جاهزاً،

تخبئون رؤوسكم في الرمل تتظاهرون أنكم على علم و بينة من كل حادث،

و قد قلت لكم على هذه الدائرة أن الماء سوف يفيض و لا يبالى بما تنبأ علماؤكم،

ليجرف الرمال فلا يبقى رأس عليه لفة أو تاج أوعمامة مختبئاً،

 

خير لكم و لقبائلكم أن تصارحوهم و تعترفوا بأخطائكم، قبل أن يفوتكم الزمان،

هذا غفران ربكم، و ألم يتألمه ناقهٌ يذهب و تتلوه صحة، و ألم يتألمه مريض عنيد يزداد و قد يتلوه موت،

 

لا تريد هذه الدائرة منكم شيئاً، و خير لكم أن تُخلصوا لقبائلكم لتكونوا مرشدين للناس من أن تتشرذموا، فلا يهديَ غيرُ مهتدٍى

 

 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map