يا عقال،
من قلم لا يكل يحلق في الحبر لينسخ من لوح فإذا رمقته عين قال القلم بيدك لا يكل،
لا تعجبوا أن سألكم أين أنتم فقد نظر و انتظر لم ير إلا وجوهاً صحيحة فرادى قليلاً في الآفاق تستهدي شفيت من جلد الشيطان و هم يسرون، و الذين خبط الشيطان وجوههم ملقوحين على الأرض عيونهم زائغة فلا ينظرون و لا ينظرون،
إذا قيل لهم قول صحيح لا يسمعون يقولون إنا منتظرون أن يهبط علينا من السماء ملائكة لينصرونا لأنا مخلّصون، بل هم واقعون في مهاوي جهنم وهم لا يشعرون زينها لهم حرسها بالوعود قالوا لهم إنتظروا معنا إنا جميعاً منتظرون يوم يهبط رسلنا إنا لهم طائعون،
قيل يا حسرة تبعتم سنن الأولين من أهل الكتاب و إنا لكم نذير، لم يأت الكتاب و الحكمة إلا بالحق و لا مغير لكلمة ربكم و أنتم قوم مكدؤون 

يا عقال،
كلما أتت أمة لعنت أختها إلا الأمة الوسط تأتي لتبارك اللاعنين، فلا تعجبوا أن سادت الجاهلية بعد مجيء وصفّ يدلق الوجود من العدم و يستخرج فاكهة من الثفالة،
تستكبرون على أهل الكتاب في منازلهم تقولون قضي الأمر، فيا حسرة على أمة قالت أن ربها خلصها في جهنم و اسألوا فكيف العذاب

يا عقال،
يفضل الذين يعرفون الحجة إذا تربصت بهم وحوش الظلام و عيونها كأنّ نار رفعوا مشاعلهم فانقلبت هرباً بأعقابها و لا يخافون لومة لائمين،
فأما الذين كلما خدشت أئمتهم شرعوا ذبحاً الضعفاء في بيوتهم للذئاب تخجلها أعمالهم، و ليس نصر الشيطان على الشيطان نصر المؤمنين فلا تعدوا أنفسكم وعود أهل الكتاب جعلوا دينهم شيعاً و هم في العداوة ساكنون

يا عقال، 
تنتصرون بالحجة و العلم والأخلاق و أما قهر الناس و إذلالهم و سفك دمائهم فهذا أمل الوثنية، فلا تقربوا منازلهم، يتجادلون على ما قالوا و ما ورثوا، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً، يطلبون أن تفتح السماء أبوابها لتنصرهم، ما خُلق كون و شمس و قمر و نجوم مسخرات و فلك مستديرة و بيضاوية إلا تسبيحَ ربها، و الناس في معامعهم قانعين

يا عقال،
ألمفضلون على أهل الكتاب بما فضل الله الناس بعضاً على بعض بالعلم و الأخلاق، فالمؤمنون يقرؤون الكتب قراءة صحيحة و لديهم أولها، ليهتدوا و يهدوا الذين ضلوا في شرائع الجاهلية،
قرأتم الكتب كما قرأها الذين أخذوا منها نصيبهم قليلاً و قلتم أن الله لم يتمم رسالته إلا في كتبكم، قول أهل الكتاب من قبلكم، و كلمة ربكم لا تسعها كتب و هي واحدة للذين ينظرون في نوافذها أسباب السماء و يتذكرون،
أخذتم من كتبكم ما أخذ أهل الكتاب من كتبهم، و تجادلتم بين بعضكم و تركتموهم متجادلين ثم قلتم أن الله قد ختم الخلاص لكم و لقبائلكم على أوراق مخبأة، تالله يا عقال أين أنتم ذاهبون

يا عقال،
كم مر قارئ بالبرق و الرعد فلم ير و لم يسمع و للكتب كلها باطن، فأما سرية ما يعتقد الناس فهي اختيارهم ليخصصوا أنفسهم، تضرهم غرورها و لن يُسألوا عنها 

يا عقال،
إنكم أذا وصفتم شيئاً كان متغيراً فور وصفه بطبيعة الموصوف فأما الحق فثباته في الكمال لا يوصف و لو أدرك، فإذا سئل عاقل إنك تنقض مقولاتنا عن الحق و لا تقول ما هو صمت في لحظة الصمت عندها أبلغ من الكلام و الذين في رؤوسهم قبس بلغها فيتنورون و يخرّون بالقلوب إلى الأذقان رؤية الغيب و الناس على حقوقهم يتجادلون،
و للحق الصور جميعاً الزائلة منها و القائمة كالحقائق الرياضية فلا يصح التشبيه عليه، فكيف انعكس الدائرة المضيئة في ماء غير هادئ بالحركة (animation) صوراً يستحيل إحصاؤها و لو تجمعت لما تكاملت في دائرة و إن اقتربت منها كثيراً

يا عقال،
هذا الحق الواجب الوجود الذي في معراج الموحدين الواحد في سبب الأسباب يلمح إليه و لا يدرك إلا المؤمنون، و في الكتب وفي الآية الكرسي و في بدء إنجيل يوحنا فأما آلهة أهل الكتاب فما عرض لهم منه كما أنبأت الغيتا، فأما الأحد الذي القول أنه تعالى على واجب الوجود مقصر لأنه محض بدأ الوجود الواعي وجوده المتمكن من التغيير المقتدر بالربوبية، فلا يقل قائل أنهم موحدون بالأفكار، و إذا كانوا موحدين بالأقدار فهذا يتحقق بالغفران مما شاب رؤوسهم من معارض الحق ثواب سعيهم حتى يدرك أبصارهم 

 

يا عقال، و أما الثنائية فهي الشفع من الوتر الذي شهده الواحد في الحركة في النقطة مركز الأفق البسيط الكامل فهذا لا يدركه إلا العقل الكلي في الكلية، و أما الشفع فانتقاص في منظوره في الحركة يستوجب شاهداً و مشهوداً و مشاهدة، في المثلث لا يلبث أن يفيض مثلث العقل و النفس و الكلمة الممكن في الثنائية حتى جاء في الكتاب من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، وهذه سوف تنعكس في الماء فيض وصال المحبة فهناك اتخذت الممكنات بالوجود صورها حباً لحقائقها فكانت راغبة تصوير وجودها و تعالى الأحد على الثنائية علواً عظيما و هو بصر الموحدين حتى جاء في الغيتا يداه أينما كنت رجلاه أينما كنت عيناه و رؤوسه أينما كنت أذناه في كل الكون 

يا عقال، لا يوجد كون بلا إنسان يعي وجوده و إذا قال قائل أن الله خلق الكون ثم خلق الإنسان فيه ليعرفه أعطينا للكون أسبقية وجودية و حذونا حذو الملحدين و بات ثالوث الله و العالم و الإنسان صنو مثنى العالم و الإنسان الخالي من افتراض إلاه،
فعندما جاء في التورات أن قال الله ليكن هناك نور فالنور للرؤية و الرؤية سبقت النور حتى استوجبته و كل ظاهر إستوجبه الوعي الوجودي و لا يرى الإنسان في الكون إلا ما هو مجهول بالنسبة لمعرفته

يا عقال،
كل المعتقدات الدينية بكل طوائفها و ما استثنيتم تعدل وجود الحق بوجد الشيطان ضداً و الحق لا ضد له، فأما إذا كان ذا ضد فلأن الضد مخلوق من انتقاص في الحق و الدليل فيما جاء عن غرور الحق الذي استوجب ضداً،
فهذا الحق ناقص في ظرفه و أما الحق فمتعالىٍ بكماله، و عندما ترى المعتقدات أن لا ضد للحق تتقرب بارتفاعها عن الحق الظرفي، و جاء في الكتاب إني صنعتك لنفسي لأن النفس تمتص الحق و تأخذ نوره لتعكسه على دياجير كونها حيث الجهل و الخوف و القباحة، فينتهوا عن عبادة الشيطان و هم لا يشعرون

يا عقال،
تقولون ليس هذا من كتبنا قولاً قاله قبلكم كثيرون و تدفنون رؤوسكم في الرمال لئلا تُرَوا، دفن رؤوسهم قبلكم كثيرون جلبوا على أنفسهم ويلاً بعد ويل و على أحفادهم، يقولون ربنا يختبر إيماننا ليعرف الصابرين بل الله يعلم ما تسر صدوركم قبل أن سقطت، فإنكم عائدون إلى جهنم معهم يوم لا ينفع الناس شفع لتعلموا أن جزاء الصابرين على الجهل القانعين جهل على جهلهم و لات حين متاب

 

يا عقال،
هذا هو الزمان، الذي لو كان زادكم وفيراً لما جعتم و لا عطشتم، و لأطعمتم السائل و ابن السبيل و أسقيتم، بل نمتم على الوعود و لمّا أفقتم، و حرمتم العلم على الناس وعلى المؤمنين و على أنفسكم، و حشرتم و كافأتم و جزيتم،
و لا يُدحض الباطل إلا بالحق، ألحق يتجلى بأجساد المؤمنين، ألم يأت في الكتاب و ما رميت إذا رميت؟ فإذا غاب إيمانها غاب، و عاث الباطل في الأرض فساداً، حتى بلغ أقلامكم و أدياركم، و هذا يا عقال غضب عظيم من ربكم 

يا عقال،
لقد أخطأتم أخطاءً فلسفيةً كبيرة أخطأها أهل الكتاب من قبلكم، و ما أنزل سبب الأسباب و معراج الموحدين إلا ردّاً عليها و تصحيحاً لقراآتهم، أخذتم عرضها الأدنى و ما أُنزلت ليكون لها عرض أدنى فهذا أنتم صانعوه،
و لقد فتحت الفلسفة اليونانية لكم و لو قرأتم تاسوعات ذي النون لتعلمتم أن تصطفوا الجواهر من الثفالة و الجد من الهزالة، إستكبرتم و فضلتم شروح الشارحين المعظمين أعراقكم الذامين أهل الكتاب المستترين بالسرية الغافلين عن الحق و ربهم يعلم نواياهم،
و بقي ذرة من الظن لديه أنْ عسى لديكم سبب من السماء تستمسكون به حتى جاء خبر يقيناً من حيث لا تجسرون و لا تقربون و لا تعلمون، أن ليس وراء ستائركم إلا فراغاً، و إنا فتحنا الكتب و الحكمة لمن استطاع إليه سبيلاً، و دعوة ربكم لتوحيده مفتوحة و لا تغلق يوماً واحداً ما دامت الأرض و السماء،
و لسنا لننكر سلوكيتكم الراقية و أخلاقكم الكريمة و صدق لسانكم، فأنتم لا تشترون من ربكم رضى بالشعائر و لا تسجدون و تركعون للحجارة و تؤمنون بالبعث، حتى باتت أنسابكم خالصةً من الدنس و تجلى جمال الصورة و وضح، و هذا ما يحسدكم عليه بعض من أهل الكتاب الذين تقبحت أخلاقهم في ذلهم لأجسامهم و حبهم للقبور،
ألم يأت في القرآن يرونهم مثليهم رأى العين؟ ألم يأت في المصحف فكان آدم الأدنى آدمَ الطين آدمَ الحمأة المسنونة فكان أنت و هم و هؤلاء إن لم يؤمنوا؟ 
و اليوم اختلط البحران بعد أن فرقهما ربكم بقوم موسى، و إن برمنيدس أول من لحظ علامات الترابية على الذين كفروا من العبريين بعد أن جاءهم الكتاب، الذين هاجروا إلى اليونان و أحل لهم رجال دينهم أن يبيعوا أنفسهم عبيداً و هم يقيمون شعائر الإغتسال و الذبح و السبوت،
بلى إن الإنسان كثير الظن و لولا رحمة سبقت لما ترك عليها من دابة، و الذين يستكبرون على الهدى جزاؤهم أن كبرياءهم جدار في نفوسهم و ليس ربكم ظلاماً للعباد،
و أما الذين وحدوا هؤلاء يغفر لهم أخطاؤهم إذا هد الجدار بأيديهم ليفتح بها أبواب السماء و ينظره بأنظارهم، هؤلاء نشرهم ربهم في الأرض و أنتم الأولى أن تتصدروهم، إذ ينادي هم المستجيبون، و السلام عليكم



 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map